* هل الموت داءٌ أم شقاء *



" الأن تبدأ جدتي رحلتها ... الآن تنام جدتي بلا أحلام
جدتي لم تفعل شيئاً غير دخولها الباب الذي فتح لها , نحن لم ندخل وراءها
لأنه أغلق في وجهنا , ولم يفتح لنا بعد , قد نلتقي دون أن نخطط للقاء أو نتوقعه
, سندخل من الباب نفسة , ولكن إلى أي الدروب يفضي ذلك الباب , وإلى أي
الحجرات يوصل ؟! هل تظمنا الجدران نفسها ذات يوم ؟!

______________________________

12:30 ص | 8-2-2016

في حوار لم يكن لبدايته وجهة قد تفضي للحديث عن جدتي , وعن حالتها الصحية السيئة
ذكرنا به هاتف أمي الذي ينادي منبهاً لاتصال عمتي الذي جاء متأخراً , جاوبتها أمي مرتعشة وأكاد لحظتها أن سماع دقات قلبها المتسارعة في وتيرتها , التي كانت تخشى سماع خبر كان لابد من سماعه في أحد الأيام .

- بعد لحظات من الأحاديث المتقطعة , ارتاحت ملامح أمي وجاءت مبشرة أن جدتي في حال جيدة , تابعت أمي الحديث لعدة دقائق , أتأمل عيناها اللتان تدمعان حيناً وتحنوان حيناً أخرى .

- بعد أن أغلقت خط الهاتف جاءت نبرتها يكدرها الحزن لتحدثني عن طلب جدتي في رؤيتنا الأن وأنها تتغنى بأسمائنا منذ الصباح , في لحظات كنا جاهزين للذهاب .
لتطلب مني أمي بعدها عدم الذهاب , لم أفهم لما لكن لم أجادلها و وافقت على مطلبها .


01:00 ص | 8-2-2016

- هاتفتني أمي لتخبرني أنها ستبقى مع جدتي تلك الليلة , أجبتها بأسلة أجابت عليها بارتياح لتطمئنني .


06:30 ص | 8-2-2016

- استيقظت على رنين هاتفي الذي انقطع بعد عدة نداءات
(7) مكالمات فائتة كما يشير إليها هاتفي كانت من أمي  , حاولت الاتصال بها حين قاطعني
اتصال أخر , أجبت مسرعاً :

- مرحباً (بصوت ملئه نوم )
* ما زلت نائماً
- استيقظت حالاً
* لم يخبرك أحد بما حدث
- لا
* ..........
- الوو
* توارت جدتك إلى الرفيق الأعلى
- ...........

- تكورت على نفسي في فراشي وأمسكت برأسي أعصره ليتوقف الصراخ الذي سكب فجأة في جمجمتي , وأصبحت أردد كلمات لم أعي ماهيتها وأنشج بصوت متقطع ليقاطعني صوت المآذن يصدح ليخبر
الكون أنها فارقتنا ودعت هذا الكون كأنها لما تكن . نادى بكل ما أوتي من حزن , توارى اسمها إلى مسامع أخوتي النيام ليفجعوا هم الأخرون ويعبر كل منهم عن حزنه بطريقته .

* هل الموت عدالة أم جناية , إذا كان عدالة فلم يختار أحب الناس إلى قلوبنا
وإذا كان جناية فلم يتساوى الفقير مع الغني والكبير مع الشيخ والملك مع العبد ؟! *


07:00 ص | 8-2-2016
عاود هاتفي نحيبه , أجبته بصوت ملئه دمع تجمع في حلقي وكاد أن يخقني , أعلموني بميعاد الدفن وأنها ستعود إلى منزل عمي الأكبر بعد نصف ساعة من الأن وسيقمون بتجهيز بيت العزاء الأن.
شتمتهم , كيف لهم التجهيز كل هذا وتقبل الأمر بهذه السهولة ؟!

08:00 ص | 8-2-2016

وحيداً إلا من أحد أبناء عمومتي أسير في الشارع المؤدي إلى بيتها , وصلت إلية بعد عدة أمتار من البكاء .
دلفت من الباب الرئيسي لأجدها كما أعدتها وكأنها ارتدت الحداد ليوم كهذا , بثوبها الأسود التي لم تعهد غيره ليستر جسدها , والكوفية التي لطالما أرتدها عصبة لرأسها دون أي أصول تربطها بها .
بوجه مبتسم ممده تلتف حولها النساء لتبكيها .

   أفسحن لي مكاناً بمقربة رأسها , لثمتها قبلاً خالطتها دموع لم أستطع إخفاءها , بكيتها بكل ما أوتيت من حزن , لم أكترث لكلامهن عن الذكورة التي تحرم البكاء حتى في أمس حاجتنا إلية .


* هل الموت نهاية الحياة أم بدايتها ؟! إذا كانت نهايتها فما معنى الكبد الذي عاشته جدتي ,
ونعيشه نحن ,حين نحاول أن نجد قوتنا , ثم يلقى بنا في النهاية داخل حفرة ؟!
وإذا كان البداية فلما كل هذا البكاء ؟! *

10:00 ص | 8-2-2016
الشمس فوق رؤوسنا حارقة بعض الشيء , وكأنها تستعد لاستقبال يوم جنازي جديد
نساوي أرضية القبر ونبذل جهدنا ليصبح كما طلبت ولنستقبل هذا الصباح .


* هل الموت حرية وفضاء واسع ؟ أم عبودية وجحور ضيقة ؟
الحرية والعبودية للجسد , والفضاء والجحور للروح *


12:30 ص | 8-2-2016

عدت إلى مكاني الذي توسدتهُ  قبل عدة ساعات , استغللت انشغال النساء
بالصلاة لأسترق بعض دقائق قبل أن تسرقها النساء بكاء ونحيب , كنت
أتأمل وجهها وأتحدث معها , أخاطبها عن الليلة التي لم أكن بجانبها حين نادتني
ولم أكن لأجيبك كعادتنا , أعدت أن تخاطبيني في حاجتك , في حزنك في مرضك
, ما زلت أذكر طلبك الأخير , أن أعود بك إلى منزلك الذي هجرته من أربع أعوام ,
وكانت أمنيتك أن تدخليه وتتفقدي كنوزك , التي أثرت نفسك على الاحتفاظ وعدم خسارتها
على صغرها كنت , تخفينها عن الأنظار .

شاركت في حملك , واتخذت من رأسك موقعاً , رأسك الذي طالما لثمته
قبلاً , حبا لك واحتراماً للخطوط التي رسمها الزمن على وجهك .


* الطريق بين المسجد والمقبرة هي ذاتها بين الحياة والموت , تقف الحياة
على باب المسجد ويودعها الموت على باب المقبرة *

الموت والحياة طرفا دائرة , دائرة الكون الذي لا يتوقف عن الدوران , ونحن بدورنا ندور
معها محملين بالأحباب والأحلام نفقدها تباعاً .

* هل الموت دواءٌ أم شقاء ؟! فإذا كان داء لما اقترفته يد الأنسان
, فلندع الله أن يعجل به حتى ينقضي , وإذا كان شقاء من بؤس الحياة ونكدها
فـ فيم التباكي على حلوله ؟! *  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موطني

قيس وليلي |Qais W Laila