بعد الموت والحب

إن اللقاء الأول بعد الحب ،الفراق ،الموت ،و الانكسار هو الأصعب دائماً ،هو الأكثر اعتصاراً للمشاعر
والأكثر دمويةً للقلب .

... حين دلفت من الباب الرئيسي للحزن  ،رأيته كما كان دائماً مفعماً بغروره المتواضع يبتسم ابتسامة
مصطنعه فلفرطي معرفتي به أصبحت على قدر من المعرفة أستطيع أن أميز ابتسامته المصطنعه من تلك
النابعة من القلب ،حاولت أن أدخل بأقل قدر من الضجيج الذي يلازمني منذ تلك الليلة حتى ألفت غضب قلبه
لجروحي التي كانت نتيجة الأخيرة أيضا .

جلست على أقرب مقعد بعيداً عن الألم وقريبا من باب الخروج ،لم أرد أن أدخل في دوامة اتهامات ستبدؤها
عيناه وأنا في أشد الغنى عنها في حالتي هذه .
وزعت أوراق الاختبار حاولت أن أسرع قدر الإمكان حتى انهي بأقل الخسائر لقلبي ،أنهيت وخرجت بعد إلحاح طال مع مراقب قاعة الشؤم هذه .

"رسالة إلى أحلام مستغانمي :
                                   كيف كنت قادرة على أن تكوني على هذا القدر من الكبرياء في كتبك ،ما هي التعويذه ،ما هي الطريقة  أم هل هذا في كتبك فقط وأنت كما نحن ينقصنا الكبرياء أحيانا وتعتصرين على ما يمر بك ... "

كنت أسير في الممر أردد في قلبي كلمات أغنية حفظتها لفرط استماعي لها وأظنها أختبئت في قلبي
لتظهر الان لتزيد من حزني قيل فيها:

"كثر ما أنا كنت بك أحيا وأعيش
صرت مآبي شوفي لك حتى يطول
جاي ودك أسمع أعذارك ،أيش
عيد مسمع عيد مدري وش تقول !

لطم وجهي دمع على حين غفلة وأنا أردد ما حفظته ،في لحظة أردت أن أفرغ كل حزني الذي كن أتكتم عليه طيلة الوقت الذي مضى ،لم أشاء أن احمله بعد الان كل هذا الدمع يثقلني وأنا لست بقادر على حمله بعد .

مررت بكل الأبواب حتى دلفت إلى الشارع وحيدا -على غير عادتي- حتى انني استشعرت نفورا في الهواء مما حل بي  ،لعدم اعتياده علي وحيد بعد .

حملتني أقدامي إلى محل زهور لا يقربه أحد إلا في الصباحيات الجنائزية  ليبتاعوا أكليل ورد توديعا لمن رحل حتى أن صاحبة المحل استغربت مجيء فلم تصدح مآذننا بالعزاء اليوم ،عذرا سيدتي فعزاء القلوب ليس له مكان بين افواه البشر ، أفرغت ما في جيبي من نقود وابتعت زهور توليب سوداء  وأتممت إلى الحديقة وبجانب أكبر النخلات جلست .

"ألى غادة السمان :
                      سلام على روحك وبعد هل من طريقة أخرى للصفح عن أوطان تدمي ببشرها غير
صفارات الإنذار"

حفرت قبرا مناسبا لقلبي ودفنته مع زهوري وأقمت عزائي وحيدا كما كان يجب أن أعتاد فبعده
لم يبقى لي أحد أو بعده لا أريد أن يبقى لي أحد .