- نوافذ -


*****





(1)



يا ليتنا لم ندرك حلاوة الكبر ولم نصبح بهؤلاء الأشخاص الذين يستطيعون فهم كل هذا الشيء .
ليتنا لم نتعلم متعة البكاء ويا ليتنا لم نمتلك كل هذه الاحاسيس .
كل هذه النوافذ التي تطل على أولئك الناس الذين قد إلتحفوا برداء الأحزان ولم يجدوا إلا الدموع لتكون ونيس لهم
بالنظر إليهم لا تراودك إلا شهوة البكاء
ولكن كنت أكتشف لأول مرة خيانة دموعي فلا أجد  إلا شهوة لقلمي ليكتب ويلطخ الأبيض و تلك العجوز على عرشها ليفضح قلمي أفكارها .
فهي التي تظن أن كل ما يجري ليدها دور فيه وتظن أن الزمن لم يتغير و أنها تستطيع أن تتعايش بطباعها المغبرة في زمن الجنون .

***                          ***                         ***                       ***                        ***                        ***        
ليس كل ما نتمناه نستطيع تحريره من بين نجوم السماء …
ولا تتوهم أن دموعك أو دخان سجائرك سيجعل سمائك أقرب لتجعل أحلامك حقيقة …

***                          ***                        ***                        ***                         ***                       ***

 من أم تحلم بطفلها إلى عجوز تحلم بأخر دقائق عمرها وكأن الزمن سيبكي على فراق أسمها من بين دفاتر القدر .
كل الناس تتمنى الخلود إلا أصحاب الحقول البيضاء فبتبخر أحلامهم وإختفاء أخرى أجتاح سم الزمن أجسادهم ولم يعودوا يعملون لماذا أعيش ؟

بالنظر إلى تلك الأم التي بالفعل ضج بيتها بأصوات الأطفال لكنها لم تكتفي بهذا الضجيج فها هي تبكي على ذاك الطفل الذي مات قبل أن يعيش وكأنها لم تمتلك غيرة .

في حضن تلك الأخرى التي قاسمتها مصيبتها ليكونا أنهارا من الدموع لتكون قصورا أجبروا حاشيتها على مسح أصوات الألم من بين زواياه .

فتكسر تلك اللحظات لتذهب إلى حوض تجمعن فيه النساء لمعالجة ما عطب من أحلامهن.

فتعود أحداهن لتجلس بجانب عرش العجوز لتبدأ بفضح كل الصور التي إختبأت بين زوايا هذه النافذة .

وتنتهي لتبدأ نحيبها وسرد ماضيها الذي أتخذ من فمها نافذة على ذاك الزمن ولا يخلو حديثها من بعض قصصها التي إمتازت بالكذب فهي أيضا كاتبة ماهرة .

فمن صوتها العتيق إلى صوت قلمي الذي لطخ الأبيض ليكتب عن عجوز إمتازت بكذبها وعتقها .

فتختم عيناي مشوارها عند نافذة قد طلت على :

إمرأة تتألم من أحلامها
وإمرأة تبكي من أفكارها
ورجل ما هو برجل
وعلى أنين ودماء ، وأفكار ودموع وسكون يكسر ، وأحلام تحتضر .



*****


(2)




في إحدى لحظات سكون القصص في تلك النافذة التي لا طالما ضجت بالقصص …
لاحظت تسلل الزمان إليها ماسحا أسما من إحدى دفاتر القدر …
***
إنها العجوز - تركت عرشها -

***
تركت كل قصصها حول عرشها تركت أفكارها وشهوتها ليمحوها قطار الزمن .
و تركت قلما عاجزا لا يجد احدا ليكتب عنه وعن أفكاره وعن خياناته و أسراره .

لم يحزن الزمن على فراق أسمها من بين دفاتر القدر .

ولكنني من حزنت وتمنيت لو أنني لم أعش على هذه النافذة ولو أنني لم أعرفك ولم أعرف أفكارك .
تمنيت لو لم أكن -أنا- حتى لا أعرف -هي- .
تمنيت لو كانت تلك النوافذ قد طلت على أشخاص قد ماتوا قبل أن أعرفهم .
حتى لا أحزن على كلماتي التي هجرها أولئك وعلى قلمي الذي فقد جزء من شهوته .

***
حين خلت تلك النافذة منذ زمن …
أشفقت على العرش الذي أصبح حاكمه غبار  .
أشفقت على أنه سينظر إلية على أنه ماضي على أنه نافذة لشخص رحل خلسة .
على أنه سيطوى ليوضع مع غيرة من الزمن .
***

إن حياتنا ما هي إلا دقائق …
دقيقة لنولد ودقيقة لنشب وأخرى لنشيب أخرها لنموت .
وليس لدينا الحق فيها لنقبل أو نرفض أو نودع و نستقبل .
كما هي العجوز ولدنا لنجدها عجوز وشبنا وهي عجوز وها هي تموت عجوز .
دموع كاذبة وقبور ترحب و نوافذ تودع وعجوز فرحة .

وكيف لا وقد إقتربت سمائها لتعطيها أمنيتها من بين نجومها .
قد أخطاء قلمي في قولة  أن أصحاب الحقول البيضاء لم يعودوا يملكون أحلام فقد إمتلكوا نجمة أخيرة ينتظرونها …
لتبدأ بها نهايتهم .

وحتى يتركوا أماكنهم للغبار والزمن ليحكمها .

وليتركوا قلما يفتح صفحة أخرى تستفزه ببياضها ليكتب عن عجوز أخرى فربما هذا القلم لم يهوى إلا العجائز .


*****



(3)




لم يكن لي ولم أملكه .

***
أحرقني بتلك لملامح التي عجزت عن رسمها .
وكأنه كان يعلم بحبي فأراد أن يفجر براكيني أن يحولني لشخص أفكاره لا تعلم سواه , فإن كان فقد نجح .
أمتلك أفكاري وأحلامي ورغباتي ولم يترك لي شيء , ولم يترك لي نفسة حتى .
فلم أعد أمتلك منه إلا تلك الصورة التي تقتلني ببرودتها .

***

لم أمتلكه إلا بين أربعة جدران إكتضت بالأرواح تقاسمني فيه , لم يكن دوما لي وحبه كان كذلك .
كنت أكتشفه وأرمم لغتي الهشة دائما ليكون ملكي ولا أنجح , وهو ببضع أحرف أصبح عبدا لحبة .
فقد علم كل الكلام وعلم كيف يرتبه .

لم أكن أشبهه إلا في نحالة جسمه , وأختلف عني بفكرة و إتقانه في لعب الكلمات ومعرفته كيف يولعني بحبة .

***
هو صاحب القميص البني !
الذي عذبني بكلامة المعسول وأحرقني بنظراته وهو الذي ودعني بصرخة لم تكن لي

***

هو أنا !

لم أتعلم الأنانية في حياتي إلى أن سكنت على أراضي حبة !

كون لي أحلاما وعطبها بنفس اليد .
جعلني هو وأعادني لأكون أنا .

عنه أتحدث…
عن الذي أفقدني فني بملامحه ولغتي بنظراته .
عن الذي لم أمتلك منه إلا جموده في صورة تركتها في أخر دفتري بين كلماتي المكتظة .

عن الذي أسرني بحماقتي وحررني بنظراته , وجعلني عبدا لحبه , خلعني جنوني ليلبسني حبة , وكان هو …

كنت اتأمل تلك الرجولة التي أختفت وراء نحالة جسمه أو ربما كانت تختفي وتتفجر في كلماته .

***
فدائما كنت أقف مذهولا أمام سحر تلك الكلمات فيخلعني لغتي وأصبح عاري تماما مذهولا من سحر تلك الكلمات .

***
لم يكن إلا هو لم يكن أجملهم ولا أصدقهم ولم يكن …
ولكن كان يكفني تصوري أنه يكون عندما يقف أمامي .
جعلني أنظر إلى كل الهزائم التي تسبب حبه بها مبتسما .

وكان

والأن لم يعد فقط ذهب ليعود هو وأبقاني على تلك الأراضي مبتسما لأكبر هزائمي .

*****************************************************************************************************

لم يتقن قلمي كلماته هذه المرة ربما لأنني أمنت أنه حين أكتب عن أولئك الأشخاص فأنا أقتلهم فربما الة تصويري قاتلة نوعا ما ربما لأنني كنت أجعل ذاك عاريا أمامي لأنتقي أجمل ذكرى التصقت بجسمه الهزيل , أجمل واحدة تلك التي كانت تنوب عن قلبة .

فلم يجيد قلمي لأننا لم نرد قتل من قتلنا حبا , فهذه الجريمة أجمل الجرائم , وأكثرها مشاعر وأقلها دما .

فربما لو لم نلتقي ولم نبكي ولم يخون بعضنا الأخر ولم يودعني بصرخة لم تكن لي , لكان قلمي ما زال أخرس وسأكون أنا , وسأكون لا أعاقب صورة لا تملك ذنبا إلا أنها جموده !؟



*****




(4)






عندما قررت أن أهجر قلمي وأترك ورقتي البيضاء في كتابي على طاولتي في تلك الزاوية لأعود لأكون أميا .

وأترك شهوتي للكلمات وعشقي للحبر المنسكب على الورق .

لأكتشف راحتي في كوني لا أفقة معاني الكلمات وأعود لأردتي ما خلعتة عندما عرتني ورقتي البيضاء .

فبقدر عشقي لأكون أنا أردت أن أكون أميا ككل البشر .

فكلماتي أصبحت جيشا يغزوني يفضح خياناتي و أسراري .

فهجرت ورقتي لعدة شهور دون أن تتحرش بي لأعود لها و أكون ملكها ولم أكترث عندما أتخذت من غبار الشهور حاكما لها .

فلم أكن لها ولم أكن لكلماتي كنت وكنت أخيرا لي .

فأخمت ناري وتركت جنوني كله بين طيات الورق .

ولكن هو دائما بطل قصصي الذي ينقذني من نيران جنوني ويعيدني عاريا أمام كلماتي لأنقض عليها من جديد وأشعل ناري وأسكب حبري على ورقتي وأستعيد مملكتي من غبار الشهور .


فدائما هو ... يشتتني بحبة و يحرقني بناري ويعلقني بعشقا ويختفي بين زوايا الأيام ليراني أحرق شوقا وما أن أقسم أن لا أعود لحبة وأطوية مع ما مضى حتى يعود ومع أو نظرة إلى جسدة النحيل حتى يفجرني حبا وعشقا فلا أتذكر إلا كلمات أحلام مستغانمى حين كتبت :

عجيبة هي الحياة بمنطقها المعاكس , أنت تركض خلف الأشياء لاهثا فتهرب منك وما تكاد تجلس وتقنع نفسك بأنها لا تستحق كل هذا الركض حتى تأتيك هي لاهثة وعندها لا تدري أيجب أن تدير لها ظهرك أم تفتح لها ذراعيك وتتلقى هذه الهبة التي رمتها السماء إليك والتي تكون فيها سعادتك أو ربما هلاكك ؟ ...


*****


(5)


بين أحلامها الضائعة وزهورها الميتة تلك النوافذ التي هجرها أصحابها منذ زمن .
هي نافذة أعتادت السواد فلم تتحرش بأحد ولم تحاول أن تعرينيا من تعالينا كما كانت تفعل الأخريات .
ففي سوادها الكثير من القصص التي امتلاءت بالخيانات وأخرى امتلاءت بالهدوء .
فسوادها قد طال فربما تلك الشمعة الهاربة بين السطور لم تعرف طريقا لقصصها أو ربما نحن من أردنا أن نغرقها بالأسود .

فزجاجها المكسور يأخذك إلى عالم أمتلاء بخيانة صامتة أبشعها تلك الأم التي قسمت بين أثنين تموت لتحيا و تنزف لتعيش لم تعلم معنى للسلام وهي أرض السلام ...
يتعالى فيها صوت الحرية  و تكثر فيها باقات الشهداء ولم تعرف لوحتها غير الأحمر رمزا !

فلسطين ...

*****


(6)


لم أعلم يوما كيف تكون فوضى الحواس إلا حين عشتها .
قالتها لنا أحلام مستغانمى لكن لم استطع أن أشعر بها حتى تعلمت معانيها .

أريد أن أختبئ بين أحضانه لأكون بعيدا عن عالمي وأريد أن أشعر بلسعة حبة وأردت أن أبحر في عيناه ولكن كنت أعلم أن كل هذا هو شذوذ حواس .

أحببته بجنون إمرأة وشهوة عاشق مغترب عن أراضي حبة , وأردته وكأنني طفل رأى أجمل الدمى , أردته وأريد أن أملكه لي ولي وحدي لا يتقاسمني فيه أحد ولا حتى أنفاسه .

ولكن كيف لي أن أعشق ؟

أنه خروج عن قوانين العادة وقوانين مجتمع وقوانيني !


ولكن أحبة وأريده لي فقد أبكاني و أضحكني وجعلني محبوسا بين جنون مجتمعي وفوضى حواسي .

هو الذي جعلني أتعلم معنى السهر عشقا و جنون الكتابة عند بزوغ يوم جديد , كل الأناس في أسرتها إلا قلمي يبحث بين كلماتي ربما عن دواء يخلصه من حبك أو سحرا يجعلك ملكة .

هل أصبحت عاجزا لدرج أنني أبكي لعشقي بشذوذ ولأنني غارقا في بحرا لم أعلم كيف غرقت فيه .

أو ربما لأنني  لم أملك شيء لتكون لي فأنا لم أملك إلا لغتي الهشة و إحساس شاذ و ما بقي لي من جمودك في صورة .



*****

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موطني

قيس وليلي |Qais W Laila